نساء منّا وفينا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ارهابي، رواية

+6
Princess of darkness
sherine
bana banouta
كندة
V Butterfly
ياسمين بن باي
10 مشترك

صفحة 1 من اصل 3 1, 2, 3  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف ياسمين بن باي السبت ديسمبر 08 2012, 05:22

هذه الرواية غير مثلية، وانما تحكي قصة شعب، ماساة امة، ومعاناة شاب...
كتبتها الصيف الماضي، ولانه لا يوجد دعم لم اكملها، اتمنى ان اجد عندكم التشجيع حتى انهيها ولا تبقى حبيسة درج.                


ارهابي

اسمي محمد بن عاشور، عمري اربعون عاما، انا رجل جزائري عشت فترة جد فظيعة من حياتي، احداثها لا تزال عالقا في ذهني..لا استطيع النسيان، لن انسى ابدا...هذه قصتي فاحكموا علي ان كنتم تستطعون...
في ما مضى كنت أعيش مع أسرتي المتكونة من والداي وإخوتي الستة، انا أكبرهم..اضطررت للتخلي عن مقاعد الدراسة لأساعد أبي العجوز على إعالة الأسرة..كنا نسكن في قرية اسمها "تيزغبان" بالقرب من مدينة "القل "، منطقتنا تغلب عليها الطابع الجبلي والغابات الكثيفة، كنا نعيش ظروفا صعبة، خاصة وان كل البلاد في تلك الفترة كانت تعيش احلك الأيام بسبب ما كان يسمى بالإرهاب.
كان لأبي ارض صغيرة نقوم بزراعة في كل موسم، أحيانا بطاطا، احيانا بصل، وفي البعض الآخر طماطم، كما لدينا بضع أشجار جوز وكستناء، نبيع الغلة كاملة ونحتفظ بالقليل لنسد به رمقنا...أمي كانت امرأة مريضة على الدوام، وطريحة الفراش وقلما تتحسن حالها، فأجدها إما جالسة في مكانها أو في ساحة البيت تتدفأ بأشعة الشمس في الأيام المشمسة.
كانت أختي نادية، عمرها تسعة عشرة عاما آنذاك، هي التي تقوم برعاية شؤون المنزل من طبخ وغسل وتنظيف، كانت فتاة حنونة لدرجة أنني كنت أحس أنها أمي الثانية، تطبخ لي ما كنت أحب من الأطباق، تجلس إلي وتحدثني في شتى المواضيع، اهتمامها بأبسط الأمور وأتفه الأشياء جعلها تأخذ مكانا كبيرا في قلبي، كلماتها الحلوة والعذبة التي كلما سمعتها أحسست أنها تنساب داخل روحي لتغير مزاجي العكر، وتبعث في نفسي الهدوء والسكينة بعدما كنت أمر في معركة لا نهاية لها من الهواجس والمشاكل التي يحس بها أي شاب كان يعيش بمثل ظروفي القاسية، أختي نادية وابتسامتها البراقة كانت المفر الوحيد من واقعي المر..
كانت لي أخت اخرى اسمها حنان وعمرها اثنان وعشرون عاما، تزوجت من ابن عمي سعيد وكان رجلا صالحا يعمل سائق شاحنة في مؤسسة وطنية، وكنت قد كلمته كثيرا ان يجد لي عملا بنفس المؤسسة، وفي كل مرة يعطيني وعودا وأمالا كبيرة ولكنها لم تتبلور قط لتصبح حقيقة...كنت آمل كثيرا ان التحق بعمل ثابت في مؤسسة ما حتى لو كان الأجر بسيطا، كنت احلم ان أحسن من مستوى معيشتي ومعيشة أسرتي، كنت أريد ان أمكنهم جميعا من الالتحاق بالمدرسة، ان أتكفل بأمي المريضة، طقت درعا من رؤيتها تعاني في صمت دون ان اقدر على مساعدتها، كنت احلم بان أوسع في بيتنا، ان تكون هناك غرفة للصبيان وغرفة للبنات، غرفة لي وحدي حتى أتمكن من الزواج، وان أريح أبي العجوز من الكد في تلك الأرض التي تكاد ان تصبح بورا...أحلامي كانت بسيطة، كأحلام أي شاب في سني، كان عمري آنذاك خمسة وعشرون عاما ولم يكن لي أي أمل بالعيش الكريم، لم يكن لي أي مستقبل، وأي مستقبل في دولة عصفت بها الجماعات المسلحة والتي زادتنا على بؤسنا بؤسا، وعلى همنا هما، وزرعت في نفوسنا الخوف والرعب، وأصبحت تتغذى من هذه الطاقة السلبية التي جعلتنا نبدو اكبر من عمرنا الحقيقي...
كان لي صديقان احدهما ابن عمي اخو سعيد واسمه رابح، اما الآخر فكان يسكن ليس بالبعيد عنا واسمه مصطفى بلعشية، صديقي من أيام الدراسة، حالفه الحظ واستطاع ان يكمل دراسته الجامعية، تنقل الى مدينة عنابة ليدرس هناك العلوم السياسية، وبالرغم من انتهاء دراسته إلا انه فضل البقاء هناك لان الوضع كان اسلم في المدينة خاصة وان والده استطاع ان يحصل له على عمل بفضل بعض المعارف فأصبحت لا التقي به إلا عندما يقصد القرية لرؤية أسرته في الإجازات والأعياد.
كان لي كذلك ثلاثة إخوان ذكور؛ صالح سبعة عشرة عاما، إبراهيم خمسة عشرة عاما، والعربي اثنتا عشرة عاما، كانوا جميعهم يدرسون وكنت اجتهد حتى اصنع منهم رجالا متعلمين ومثقفين وكنت احلم ان أرسلهم الى الجامعة، الى المدينة، حتى يتخلصوا من هذا المكان الموحش والذي يليق للموت لا للحياة...كانت أصغرنا فتاة في غاية الجمال والرقة اسمها ليلى وعمرها لا يتجاوز الخمسة سنوات، كانت هي من تحلي الأيام في أعيننا، وتدخل البهجة في قلوبنا، وتجعل من بيتنا التعيس جنة لا اصبر متى أعود اليها حتى تسألني في طيبة وبراءة: "أخي حبيبي ماذا أحضرت لي؟" وكنت دائما عند عودتي من البلدة في جعبتي لها شكولاطة، أو سكاكر، أو قصص وأقلام تلوين، وكم كانت تفرح بهذه الأشياء البسيطة فتقبلني وتجلس بقربي لتحادثني فيما يخص عالمها الصغير المثالي والخالي من هموم الزمان وكانت تحب كثيرا ان اغني لها: "الليل يا ليلى يعاتبني ويقول لي سلم على ليلى...."...
هذه هي حالنا، أناس بسطاء اكبر همومنا كسب قوت يومنا والتمكن من العيش لليوم الموالي، حياة في مجملها هادئة الى لن جاء ذلك اليوم الأسود الذي غير حياتي مئة وثمانون درجة فأصبحت شخصا اخر غير هذا الولد الطيب وهنا تتجلى كل قصتي.

ربيع 1998

مرننا في ذلك العام بشتاء قارس البرودة، كان الثلج يهطل كل يوم وتجاوزت درجة الحرارة العشر درجات تحت الصفر، وكانت معاناتنا لا تضاهيها معاناة، لم نستطع حتى الحصول على قارورة غاز البوتان بسبب تدهور حالة الطريق والتي قطعت بتراكم الثلوج فلم تتمكن شاحنات الغاز -التي تأتي مرة كل خمسة عشرة يوما- من الصعود وكانت اخر نقطة لها حوالي ثلاثة كيلومترات عنا، وأحيانا عندما تشتد العواصف الثلجية، نشعل بعض الأخشاب ونجلس جميعنا في غرفة واحدة حتى ندفا، ولم يتمكن الأطفال من الذهاب الى المدارس مدة طويلة قاربت الشهرين، وبالرغم من كل هذه المعاناة كنا نشكر الله كثيرا على هذه الظروف القاسية التي جعلت من الإرهابيين يتركون الجبال التي تحيط بنا وبذلك حظينا ببعض الأمن والطمأنينة واستطعنا ان ننام ملئ جفوننا...ولكن سرعان ما جاء الربيع واعتدلت الأحوال الجوية وأطلت علينا الشمس بأشعتها الدافئة وخرج كل من بيته ليرعى مصالحه...
في يوم 30 مارس 1998 خرجت باكرا من البيت وتوجهت الى الحقل، حتى أرى مدى سوء الوضع، خاصة وأنني لم أزره منذ حوالي الشهرين والنصف، فوجدته في حالة يرثى لها وكل ما قمنا بزرعه الخريف الفائت دمرته الثلوج والعواصف، ذلك العام زرعناه بطاطا، اما الأشجار فمنها ما دمرت ومنها ما كانت أضرارها خفيفة...وبينما كنت أقوم بالتنظيف وإصلاح بعض الأمور جاء والدي، علمت علم اليقين ان حالة الحقل سترفع ضغطه...بقيت أراقبه بعينين حائرتين..فدار هنا وهناك دون ان ينبس بشفة، وبخطوات متثاقلة وجثة خائرة القوى ألقى بنفسه على صخرة وجلس يراقب في صمت وذهول...فاقتربت منه قائلا:
- لا تقلق سأصلح الوضع...
- لا يوجد شيء للإصلاح...لقد ضاع كل شيء، ولا اعلم كيف سأعيل هذه الأسرة بعد اليوم...لم يتبقى لي لا نقود ولا غلة ولا حتى الأمل...
- لا تقلق انا هنا، انا ما زلت معك...سأبحث عن عمل، هنا في "القل"، سكيكدة، عنابة، قسنطينة، لا يهم، المهم ان ترتاح ولا تشغل نفسك...
- هل تظن ان الحصول على عمل أمر سهل، سواء هنا أو في أي مدينة اخرى، الوضع صعب يا بني..صعب...يؤلمني أنني لا استطيع ان أوفر لكم عيشة هنية، يؤلمني ان أرى أمكم تتعذب، يؤلمني ان تتركوا دراستكم بسببي...حتى هذه الأرض لا يمكنني بيعها، من سيشتري أرضا تسكنها الضباع...
- لا تقل هذا، أعدك ان أمورنا ستكون جيدة..هيا بنا لنعد الى المنزل..
عدنا أدراجنا..نسير جنبا الى جنب، كلماته حفرت عميقا في وجداني..آه لو كنت استطيع ان اخفف عنه، حتى الكلام أصبح لا جدوى منه...
فكرت كثيرا ان التحق بصفوف الجيش الوطني، ولكنني كنت مترددا، كل من يذهب هناك مفقود مفقود، العديد من خيرة شبان الجزائر قضت على أيدي الإرهابيين المتعطشين للدماء..قتلوهم بأفظع الطرق ولم يكتفوا بهذا، بل لاحقوا عائلاتهم وقتلوا آبائهم وإخوانهم، واغتصبوا أمهاتهم ونسائهم وأخواتهم، ومنهم من قاموا بهذه الأعمال المشينة أمام أنظارهم...بقيت تدور في راسي هذه الهواجس طيلة بعد ظهر ذلك اليوم خاصة وان أختي نادية أخبرتني انه لم يتبقى لنا الكثير من المؤونة، قد لا تكيفينا لشهر اخر...
ذهبت اخر النهار الى البلدة لأسال صديقي وابن عمي رابح ان كان يعرف احدهم يريد عاملا، خاصة وانه يعمل في المقهى وكان يعرف كل أخبار القرية، ولكن وبمجرد ان كنت على مقربة من المدخل سمعت صوتا يكلمني قائلا:
- الى اين أنت ذاهب يا شارد الذهن؟
وعندما استدرت وجدته صديقي مصطفى بلعشية ففرحت لرؤيته وفتحت ذراعاي على مصراعيهما واحتضنته قائلا:
- هكذا إذن يا ابن المدينة نسيتنا تماما...
- لا والله ما نسيتكم، ولكن كثرة الأشغال ألهتني، ودوامي كل يوم عدا الجمعة من الثامنة الى غاية الخامسة مساءا، كما أنني كنت في بيتكم وأخبرتني أختك انك قصدت البلدة...اخبرني الى اين أنت ذاهب؟
- وأين يذهب الناس في هذا المكان بالله عليك؟..الى المقهى...
- هيا بنا إذن...
مشيت وصديقي جنبا لجنب، وكنت قد لاحظت ان تغييرا طرا عليه، خاصة على طريقة هندامه، أصبح يلبس على طريقة أهل المدينة، وتصفيفة شعره على طريقتهم كذلك، لهجته لم تتغير كثيرا، إلا أنني كنت متأكدا انه يتكلم اللهجة العنابية عندما يكون هناك...جلسنا الى طاولة أمام المقهى وبادرني الحديث:
- اخبرني كيف حالك؟
- أي حال تتكلم عليه، الشتاء القارس؟ أم تلف كل المزروعات؟ وذهاب كل الجهد سدى؟ أم "أصحاب اللحي " الذين عادوا ليعبثوا في القرى المجاورة؟ أحوالنا يا صديقي سيئة لدرجة انه لم يعد لدينا حال...
- لا تقلق ستتحسن الأحوال، خاصة وأنني سمعت ان الجيش سيقوم من الشهر القادم بعمليات تمشيطية في هذه المناطق، وهذا سيضطرهم الابتعاد عن هنا.
- الابتعاد لشهر، شهرين، ثم العودة من جديد...نفس القصة ولا شيء يتجدد...
- وكيف حال أضرار حقلكم؟
- جسيمة، تلفت المزروعات كلها، خاصة البطاطا...
- وأشجار الجوز والكستناء؟
- متفاوتة الأضرار، بعضها إصاباته كبيرة وبعضها نجا...والحمد لله..سأبحث عن عمل أعيل به أسرتي الى غاية الموسم القادم، وربما لن ازرعها من جديد كرهت عمل الأرض هذا...
- ولكن هذا ما تجيد القيام به؟ وهذا ما قمت به منذ ان كان عمرك خمسة عشرة عاما...
- صدقني سئمت الحياة هنا...المهم دعك مني كيف حالك أنت؟
- بخير، لقد قمت بكراء منزل، وانا الان بصدد البحث عن بنت قصد الزواج.
- فعلا ألف مبروك، لقد أسعدتني...وهل وجدت بنت الحلال؟
- ليس بعد ولكن لن اخفي عنك أنني مهتم بأختك نادية، لقد كبرت كثيرا عن اخر مرة رايتها، كما أنها أصبحت امرأة رائعة...أرجو ان تسألها ان كانت ترضاني زوجا لأخبر أسرتي...
- حسنا..حسنا...اعلم أنها لن تجد شخصا أفضل منك، وانا اعتبرك أخا لا صديقا، سأسألها في اقرب فرصة.
بقيت وصديقي نتجاذب أطراف الحديث لمدة طويلة، وبدا الظلام يخيم على المنطقة فاضطررنا الى الافتراق على أمل الملاقاة غدا، صلينا معا في المسجد صلاة العشاء وعادت كل الناس الى بيوتها، لا احد في الطريق..ولا حتى الحيوانات، كان الرعب يعشعش في النفوس لا احد يسهر في الخارج، ولا في المقهى، بعد المغرب يغلق كل الناس محلاتهم، وبعد صلاة العشاء يختبأ الجميع في بيوتهم...وكأن أصحاب اللحي لا يعرفون الطريق الى البيوت.. مؤخرا سمعنا عن قرية بأكملها ذبحت، اسر مكونة من عشرة واثنا عشرة فردا، أبيدوا على بكرة أبيهم..أعمال إجرامية ووحشية يندى لها جبين الإنسانية، نحن هنا في "تيزغبان" لم نسمع بهجوم من مدة طويلة..اخر مرة يوم هاجموا بيت جبيرة واخذوا أباهم وأخاهم الكبير وابن عمهم، ذبحوهم أمام أنظار عائلتهم دون رحمة ودون شفقة، دون أي ذنب يذكر...أمر في غاية الصعوبة ان تفكر طوال الوقت في الموت بدل ان تفكر في المستقبل البديع، بدل ان تفكر في تحسين ظروفك وان تحقق أحلامك وتزيد من طموحاتك...
تأخرت في ذلك اليوم كثيرا، وانا لم اعتد الرجوع في الظلام الدامس، خاصة وان الطريق الى البيت غابية وصعبة المسالك، لن اخفي عليكم الأمر لقد كنت خائفا لدرجة لا تصدق..لدرجة ان أطرافي راحت ترتعش بشدة وانا أحاول ان أسيطر على أعصابي..لم يبقى الكثير ستمائة متر، خمسمائة متر، وبعد خطوات..خطوات قليلة سمعت أصوات غريبة وحركات غير مألوفة تنبعث من وراء الشجيرات، رحت اطمئن نفسي انه مجرد حيوان..لا ليس بحيوان..أسرعت قليلا، وإذا بهم أمامي، رجلان ضخما الجثة بالبزة العسكرية، وعمامات على رؤوسهم، ولحي طويلة جدا تكاد تصل الى مستوى السرة...في تلك اللحظة ساورني شعور غريب لم اعرف ما هو، خوف..رعب..لا هذا ولا ذاك..رهبة كبيرة وأحسست بفراغ في داخلي..اول ما خطر في ذهني "يا الهي حانت ساعتي" ورحت اشهد في نفسي حتى لا أموت كافرا، لم أتمكن من النظر الى وجهيهما ولكنني رجعت خطوتين الى الوراء ونظرت خلفي فوجدت ثلاثة آخرين وهنا أيقنت كل اليقين أنني في مأزق؛ "جاءتك الموت يا تارك الصلاة"..كانت الليلة صاحية وباردة جدا ولكنني أحسست بحرارة تجري في سائر بدني..بقيت هادئا للحظة ثم كلمني احدهم قائلا: "ما اسمك" فقلت: "محمد بن عاشور" فقال لي:  "اين تسكن؟"..ترددت قليلا ثم قلت: "أربعمائة متر في هذا الاتجاه" وأشرت بيدي..وراح يحدثني وانا أجيبه بهدوء..
- لم بقيت الى هذا الوقت في الخارج؟
- صليت العشاء في المسجد..
- ألا تخاف منا..
- لا..
- لم؟
- انتم لم تؤذوني ابدا لأخاف منكم..
- ومن قال لك أننا نؤذي الناس؟
- ...الناس يتحدثون..
سكت قليلا ثم قال لي: "لا تصدق كل ما يقوله الناس.." وتوجه الى صديقه آمرا إياه بتقييدي، فربط يداي بحبل وبقيت وافقا، فجاء اخر وراح يفتشني..اخذ ساعتي، ومحفظتي بها ورقة نقدية من فئة مئة دينار جزائري وكانت كل ما املك، وبعد لحظات خرج من وسط الغابة رجل اخر..بدا لي انه قائدهم فسألني هو الآخر عن اسمي فأجبته، بينما قدم له من فتشني ممتلكاتي فنظر اليها، اخذ المحفظة وأعادها لي ثم كلمني قائلا:
- هل لي بأخذها؟ وكان يقصد الساعة..
- تفضل..إنها لك..
- هل تدخن السجائر..
- لا..
- الشمة ..
- لا..
- أحسنت، أنت قوي البنية، وراح يتحسس عضلات ذراعي وصدري..لم لا تنضم إلينا؟
سكت دون ان اقول أي شيء، فكرر السؤال ثانية..فقلت:
- لا اعلم، سأفكر..
- حسنا فكر كما شئت، ان أردت الانضمام فاسأل عن "أبي قتادة" كما أنني اعلم انك تعرف اين تسال، وإياك ثم إياك ان تسال في المكان الخاطئ.. -وكان يقصد بالمكان الخاطئ رجال الدرك-...
- حسنا..
- سنتركك الان، واذهب في حال سبيلك، لكن إياك وان تنظر ورائك أو تخبر أحدا..هل فهمت..
- فهمت..فهمت..وكنت اقول في نفسي أفلتوني فقط..
أعطى إشارة لأحدهم ففك وثاقي، وأمرني بالذهاب، فرحت أسير مهرولا، ورجلاي لا تقدران على حملي، غير مصدق لما حدث معي، هل هي ضربة حظ، هل هو الله الذي حماني ونجاني...لا اعلم..ولم أجدني سوى أمام باب البيت اطرقه دون ان أحس أنني اجتزت تلك المسافة كلها، مرت في طرفة عين...
فتح لي أخي صالح الباب والقلق والحيرة بادية على وجوه الجميع، فبادرني أبي:
- ما الذي أخرك الى غاية هذا الوقت؟ ألا تعلم انه من الخطر العودة في هذا الظلام؟..
- لقد التقيت بصديقي مصطفى وأخذنا الحديث..نسيت نفسي..
كان وجهي شاحبا، وكنت أتصبب عرقا في ليلة باردة، فلاحظ الجميع مدى غرابتي، أمرت أمي نادية بان تضع لي العشاء، فاعتذرت وقلت إنني لست جائع، "انا متعب وأريد ان أنام"، دخلت الغرفة، تمددت في فراشي وغطيت نفسي من راسي الى أخمص القدمين، بقيت أرعش وكأن جسدي تأكله الحمى، حاولت ان أنام..ولكن دون جدوى الى غاية الرابعة صباحا وانا أتقلب في بحر مضطرب الهواجس، ولكن في لحظة ودون ان ادري نال مني النعاس فنمت.  
فتحت عيني..في لحظة ذهول..لم اعرف اين انا، أو كم من الوقت مضى وانا نائم، تلفت يمينا وشمالا..أخيرا استرجعت وعيي، وتمددت من جديد على ظهري في فراشي، ورحت أتساءل "هل ما حدث لي البارحة حقيقة أم رؤية رأيتها في المنام؟"..لا إنها حقيقة..اكبر حقيقة حدثت لي في حياتي، أيعقل إنهم أفلتوني، لا بد انهم سيعودون إلي يوما ما، لن يكفوا بمطالبتي الانضمام إليهم، علي الرحيل..سأذهب الى المدينة، لن أبقى هنا..لكن أسرتي ماذا عنهم؟ سينتقمون مني، سينكلون بهم شر تنكيل..يا الله، ماذا افعل؟..يا الله سترك يا الله..
- صباح الخير..استيقظت أخيرا؟..وكانت نادية من قطعت علي حبل أفكاري..
- صباح الخير..كم الساعة؟
- إنها الحادية عشرة والنصف...
- يا الهي لم تركتني الى هذا الوقت؟..
- لقد أمرني أبي بان أتركك تنام، لأنه ليس لديكم شيء لفعله، كما انك بدوت البارحة مريضا..هل أنت بخير الان؟...
- بخير..بخير..ولكنني على موعد مع مصطفى على الساعة العاشرة، لا بد وانه مل الانتظار..
وبذكري لمصطفى تذكرت ما طلب من القيام به، ألا وهو سؤال نادية ان كانت تريده زوجا، أصبح الأمر الان مستعجلا، علي ان أضعها في مكان آمن قبل ان يعود الإرهاب لأجلي، ومصطفى رجل صالح بكل ما في الكلمة من معاني، كما ان مدينة عنابة ستكون أفضل لها من "تيزغبان"، حسنا سأسألها الان..لا بعد ان استعد..
- نادية..أرجوك اعدي لي الفطور ريثما استعد..
- حسنا..
وبعد برهة جلست الى المائدة لأشرب حليبي مع قطعة "الكسرة " اللذيذة التي تعدها نادية بكل براعة..
- نادية..نادية..
- نعم يا أخي..أتريد شيئا؟
- اجلسي لبرهة..فجلست أمامي وحيرة في عيونها..وكأن نظراتها تعلم ان خطبا بي. ترددت قليلا ثم قلت:
- ما رأيك في صديقي مصطفى بلعشية؟
سكتت قليلا ثم قالت:
- من أي ناحية؟
- من كل النواحي..
- انه شاب جيد، وصالح كما انه صديقك الحميم...
- حسنا..لو تقدم لخطبتك، هل توافقين؟
طأطأة رأسها واحمرت خجلا، وظلت ساكتة...
- نادية..أجيبيني، هل تقبلين؟ هل ترين فيه الزوج الصالح؟
- ..لا اعلم...أنت أدرى..
- طلب مني البارحة ان أسالك، هل افهم من هذا انك موافقة؟
ظلت ساكتة، بعدما أخرسها الخجل، فطلبت منها ان تحرك رأسها ان كانت موافقة، ففعلت..قلت لها:
- ان مصطفى شاب صالح، ولديه عمل جيد، كما انه يعيش في عنابة، وهذا أفضل من هنا، المهم الان لا تخبري أحدا حتى يصبح الأمر رسميا..هل فهمت؟
فحركت رأسها إيجابا، ودعتها وخرجت من البيت، قاصدا المقهى علني أجد مصطفى هناك، نزلت من بيتنا بسرعة البرق، غيرت الطريق لم استطع ان أمر من نفس المكان وان أتذكر ما حدث الليلة الفائتة، وصلت الى المقهى فتشت يمينا ويسارا لم أجده فصحت بابن عمي قائلا:
- رابح..رابح..هل رأيت مصطفى؟..
- الناس تقول صباح الخير..كيف حالك..
- سامحني انا في عجلة من أمري، هل رايته؟..
- نعم لقد كان هنا..غادر منذ برهة وقالي ان رأيتك ان أخبرك انه ينتظرك في بيته..
واستدرت بسرعة دون ان أودعه حتى..فناداني قائلا:
- محمد..محمد انتظر...هل سمعت؟
- سمعت ماذا؟
- خالد بن مصابح لقد عاد من الخدمة العسكرية..
- والله...هل هو بخير؟..لم يصبه شيء؟
- لا أيها الأحمق، وهل يعود الناس من هناك بخير..لقد وقع وكتيبته في كمين، تم ذبح كل أصدقاؤه العشرين أمام عينيه، وقالوا له اذهب واخبر زعمائك عما رأيت...لقد عاد مخبولا، المسكين فقد صوابه...
- لا اله إلا الله، لقد كان فتى صالحا، حسبنا الله ونعم الوكيل...الى اللقاء انا ذاهب...
- انتظر هل سمعت أيضا عن إبراهيم بن مبارك...
- اتركني الان أيها الثرثار انا مستعجل...
- حسنا بعدها لا تطلب مني ان ارويها لك...هل سمعت؟..
وابتعدت عنه وتركته في غوغائه، هذا الرجل لا يسكت..وبقيت طول الطريق أفكر في هذا الشاب المسكين الذي عاد مجنونا، والى متى سنظل في هذه الحال، حياتنا يخيم عليها الموت، الوحشية، التنكيل، الخوف، والجنون، والله انا أيضا سأنقاد للجنون عما قريب..وصلت الى بيت مصطفى فطرقت الباب طرقا خفيفا، فتحت لي أخته الصغرى الباب وبمجرد ان رأتني طلبت مني الدخول "انه ينتظرك في غرفته" دخلت المنزل وبعدما نزعت حذائي في الباب توجهت الى غرفته...تحدثنا انا وصديقي قليلا في شتى المواضيع، أردت ان اخبره عما حصل لي الليلة الماضية، ولكن الشجاعة خانتني وكل مرة أتفكر قوله "ان لا تخبر احد" فاسكت..كما ان مصطفى لاحظ أنني لست بخير وان هناك كلاما في فمي، أردت كذلك ان اخبره عن نادية ولكنني استحيت كنت أفضل ان يفاتحني هو في الموضوع ولكنه لم يفعل الى ان هممت بالرحيل فامسكني من ذراعي وقال لي متلعثما:
- هل..هل سألتها؟
- سالت من؟
- ومن غيرها، أختك...
- آه..نعم سألتها..وهي موافقة...
- الحمد لله، لقد خفت ان ترفض..اخبر والدك بنيتي وانا سأفاتح والداي في الموضوع.
- حسنا متى ستغادر الى عنابة؟
- بعد أسبوع كما أنني أفضل ان نقيم الخطوبة قبل مغادرتي..
- هذا وقت ضيق...
- لا تقلق النساء ستهتم بكل شيء...
غادرت بيت مصطفى وانا في حيرة اخرى لا بعدها حيرة، ألا وهي تحضيرات الخطوبة خاصة وأننا لا نملك أي شيء... عدت الى المنزل وأخبرت والدي، الذي لم يعارض بل فرح كثيرا وقال انه لن يجد رجلا أحسن من مصطفى..في اليوم الموالي التقينا في المقهى، انا ووالدي ومصطفى ووالده واتفقنا على اليوم الذي تأتي فيه النساء الى البيت، ويكون نفس اليوم الذي تقرا فيه الفاتحة...
مرت الأيام ومضى كل شيء على خير، ووجدت انا عملا عند رجلا من أهل القرية يسمى عبد الله يعمل في مجال صنع الآجر، كنت اعمل يوميا من التاسعة الى غاية الرابعة لقاء ثلاثمائة دينار في اليوم، كان أجرا زهيد ولكنه يكفيني لإعالة مقتنيات البيت من مواد ضرورية، بينما خصص أبي غلة الجوز والكستناء لغرض شراء جهاز عرس أختي نادية التي اتفقنا ان يكون موعد زفافها بعد ستة أشهر من الخطوبة...اما ما يخص تلك الليلة المرعبة التي قضيتها مع الإرهابيين فقد بدأت تتلاشي من مخيلتي خاصة وأنني لم اسمع أي شيء مثيرا للريبة ولم يلاحقني احد من يومها.


يتبع...              


عدل سابقا من قبل ياسمين بن باي في الخميس أغسطس 08 2013, 20:15 عدل 1 مرات
ياسمين بن باي
ياسمين بن باي
عضوة نشيطة
عضوة نشيطة

عدد الرسائل : 232
النقاط : 257
السمعة : 1
تاريخ التسجيل : 08/11/2012
العمر : 36
المكان : هي وقلبها...

https://www.wattpad.com/user/miraben

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف زائر الإثنين ديسمبر 10 2012, 05:38

ارهابي، رواية  Images?q=tbn:ANd9GcQ7YGlXwrddt5CAiImYZiezDw0-JUgpypqJF8RHYgxB4I9-Nih5


ياسمين ....أنا أتابع بفيض من المشاعر المختلطة من تقدير لأسلوبك وغوص في محتوى ومضمون روايتك المثييير جدا والمؤثر في نفسي من هده المعناة التى لونة طفولتنا بالرمادي وحتى وإن كنا لا نذكر منها الكثير إلا الغموض والخوف ولكننا نعرف حجم الألم والرعب الذي عاشته البلاد في تلك الفترة والحمد لله الذي منحنا أمنا بعد خوف....أنتظر البقية بأمل كبير في قلمك المبدع.


ارهابي، رواية  Images?q=tbn:ANd9GcTrfgXA2iYyVPKMzoma8MdzyQZqw3NPmBgzk3g1mXmmaklC_tm_1w

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف ياسمين بن باي الإثنين ديسمبر 10 2012, 13:50

شكرا لك كنزة على الكلام المحفز...تلك الفترة انا لا احب ان اتذكرها حتى في الاحلام، ولكن يجب ان اكتب عنها تخليدا لذكرى كل من تالم فيها...
ياسمين بن باي
ياسمين بن باي
عضوة نشيطة
عضوة نشيطة

عدد الرسائل : 232
النقاط : 257
السمعة : 1
تاريخ التسجيل : 08/11/2012
العمر : 36
المكان : هي وقلبها...

https://www.wattpad.com/user/miraben

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف V Butterfly الأربعاء ديسمبر 12 2012, 05:18

بانتظار التتمة يا ياسـمين , بس عمهلك شوي حتى لحق Wink
V Butterfly
V Butterfly
المديرة
المديرة

عدد الرسائل : 5475
النقاط : 5545
السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 02/10/2012
المكان : Everywhere

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف كندة الأربعاء ديسمبر 12 2012, 07:38

في انتظار التكملة...
كندة
كندة
المديرة
المديرة

عدد الرسائل : 711
النقاط : 717
السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 28/11/2012
العمر : 38
المكان : Libya

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف زائر الخميس ديسمبر 13 2012, 04:18

في إنتظار التكملة ياسمييييين

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف ياسمين بن باي الخميس ديسمبر 13 2012, 22:47

اليوم الموعود

الان مرت على تلك الليلة حوالي شهرين، ما عدت اذكر منها شيء، فقط أنها ذكرى سيئة وأريد التخلص منها، كان ذلك اليوم بالنسبة لي كالولادة من جديد، قلة من تقع في أيديهم وتفلت دون ان تمس شعرة من رأسها، المهم انا بخير الان وأحاول المضي قدما في حياتي..أوضاعنا تحسنت عن ذي قبل، وحتى والدتي تماثلت للشفاء وأصبح حالها أفضل، والدي عاد لخدمة الأرض، ذلك الرجل لا يمكنه الجلوس مكتوف اليدين، اما انا فقد وقعت في الحب، نعم لقد وقعت في حب ابنة الرجل الذي اعمل لديه خاصة وان المشغل كان يقع تحت بيتهم فكنت أراها كلما ذهبت الى المدرسة وكلما عادت منها، كان عمرها ثمانية عشرة سنة، وكانت تدرس في الثالثة ثانوي أي تحضر لشهادة البكالوريا، كنت ارتبك كلما أراها واختلس اليها النظر دون ان ينتبه إلي زميلي في العمل، لأنني كنت احترمها، واحترم والدها ولا أرضى ان يظن بي سوءا..فكنت لا اصدق متى اذهب الى العمل حتى أراها مرة آتية وأخرى ذاهبة، وقد بدأت أفكر فعلا في ان اكلم والدها ولكنني فضلت التريث الى غاية ان تتزوج نادية، وهكذا علني استطيع ان أتقدم الى خطبتها...
في يوم 5 جوان 1998 وقد كان يوم جمعة، التقيت بصديقي مصطفى الذي انتهز يوم العطلة وجاء لرؤية أسرته وخطيبته، فجلسنا في المقهى كعادتنا نتجاذب أطراف الحديث، فاخبرني انه وجد لي عملا في المدينة كحارس في مؤسسة مقابل اثنتا عشرة ألف دينار جزائري، وامتيازات اخرى كالضمان الاجتماعي، وقال لي بالحرف الواحد "ويمكنك ان تسكن معي الى ان تتحسن أوضاعك"...كنت في غاية السعادة، لدرجة أنني كدت ان أطير فرحا، كانت الساعة آنذاك تشير الى السابعة وعشرون دقيقة وكانت الشمس قد آلت الى المغيب، فقلت لمصطفى: "علينا ان نسرع للعودة الى البيت، منها ترى نادية وانا اخبرهم بالخبر السعيد"..فتوكلنا على الله وبمجرد ان قمنا من أماكننا وسرنا بضعة أمتار أحسسنا ان هناك شيء غريب يحدث في القرية بدا الناس يتهامسون وبعضهم يغلق المحلات في عجلة من أمرهم فقلت لمصطفى انه لابد ان يكون هجوم ارهابي، وفجأة وجدت ابن عمي رابح خرج من اللآمكان مثبتا أمامي كالمسمار، ووجه شاحبا كأنه رأى شبحا فقلت له:
- ما بك؟ ماذا يحدث؟...
- ..........................
حرك شفتاه دون ان ينطق بحرف واحد، فأعدت سؤالي:
- ما بك؟ تكلم لقد بدأت تخيفني...
- تمالك أعصابك...
- اخبرني ماذا هناك...مقاطعا إياه بعد ان نفذ صبري..
- لقد هاجم أصحاب اللحي عدد من البيوت عند الجزء الغربي من القرية وأظن ان بيتكم كان من البيوت المستهدفة...
- ماذا؟...ورحت أدور حول نفسي واضعا يداي على راسي في وسط الذهول المطلق صارخا..يا الهي..يا الهي..لطفك يا ستار...ثم استدرت لأكلم رابح من جديد..
- كيف عرفت؟ من أخبرك؟...
- ساعد زغدود استطاع ان يفر بعدما رآهم من بعيد يدخلون بيته..لقد ذهب وجماعة من الناس لمركز الدرك حتى يخبروهم...وانا سمعت دوي الرشاشات من بيتنا...
بقيت واقفا استمع لهذا الحديث كأنه آت من قاع بئر، أحسست بالضياع، لم اعرف ما الذي يجب ان افعله، اشكر الله ان في تلك اللحظة كانوا أصدقائي معي، فامسكني مصطفى من ذراعي قائلا:
- هيا بنا نحن أيضا الى مركز الدرك...
رحت اجر رجلاي دون وعي مني، كنت أرى ولا أرى، اسمع ولا اسمع، أحس ولا أحس..كأنني في عالم والذي يحدث أمامي عالم اخر..كابوس ويا ليتني استيقظ منه..وياليته كان كابوس فاستطيع الاستيقاظ، وصلنا الى مركز الدرك وكان الظلام قد خيم على المكان، وجدنا الناس في حيرة من أمرهم فسألهم مصطفى:
- ماذا هناك؟ ماذا قالوا لكم؟
- قالوا لنا أنهم لا يستطيعون الذهاب الآن لان الظلام حالك في تلك المنطقة سينتظرون الى الصباح...
- تبا..لم يذهبون في الصباح..لعد الجثث..صاح مصطفى حانقا..
وفي حركة اللاوعي دفعت الحشود من أمامي ودخلت المركز ومصطفى ورابح يتبعانني، فوجدت مجموعة من الضباط يتشاورون فقلت:
- أهالينا تذبح وتقتل في بيوتها دون ذنب، وانتم هنا تتسامرون؟...
- اعرف كيف تتحدث يا هذا...أنت أمام الكولونيل فلان والكوموندون علان...نطق احدهم ناهرا إياي...
- مهما ارتفعت مراتبكم انتم بشر وفي خدمة الشعب، الشعب الذي يجزر ويترك لتأكله الغربان..الشعب الذي يقتل من دون أي ذنب، الشعب...
- لدينا أوامر أن لا نترك مواقعنا حتى يصلنا الدعم والآن ان سمحت دعنا نقوم بعملنا...
خرجت من هناك بعد ان قمت ضرب الباب في طريقي، متوجها الى البيت لا يهمني ما ساجد أمامي، لا يهمني ان قبضوا علي، لا يهمني ان يقتلوني، المهم عندي في تلك اللحظة ان اطمئن على أسرتي..ولكن مصطفى ومن معه من الرجال منعوني من الذهاب..صرخت، بكيت، "اتركوني..اتركوني" لن دون جدوى، كان عددهم كبير ولم استطع التخلص منهم ليخرج عدد من الدركيين فقبضوا علي وأدخلوني الزنزانة الى ان اهدأ...بقي معي مصطفى ورابح يحاولان طمأنتي، ولكنني كنت كمن يقف على الجمر، والنار تشتعل في صدري، لا كلمات ولا أي شيء يقدر ان يزرع في روحي الثائرة بعضا من الهدوء والسكينة..وأبى الوقت ان يمر..وبدت لي تلك الليلة كأنها مئة عام..بكيت تارة حتى بللت عبراتي القميص الذي كنت أرتديه وصليت تارة اخرى، صليت ان لا يصيب مكروها أسرتي، صليت ان لا يمس الأوغاد أحبائي...وبعد ليلة أمضيتها في الجحيم طلع النهار، وعند شروق الشمس جاء دركي ليحررني من زنزانتي وقال لنا أنهم متوجهون الى عين المكان، ولحرقة قلبي اضطررت للركوب معهم بالرغم مما أكنه لهم من حقد وغل، بالنسبة لي لقد كانوا اكبر معاون للإرهاب بتركه يفعل ما شاء بالناس دون التصدي له...
وصلنا الى المنطقة المستهدفة، وتوقف رجال الدرك عند اول بيت صادفنا، بينما نزلت انا من السيارة لأكمل على الأقدام، لم انتبه ان كان احدهم يرافقني، جريت..جريت الى ان أصبح البيت في مرمى عيوني، وبمجرد ان اقتربت أحسست ان ما وقع أمر لا يمكن احتماله ولا يمكن تصوره...وبعدما تحرقت شوقا لليلة كاملة لم استطع دخول البيت، وقفت أمامه انظر لأسواره باكيا خائفا مما ستراه عيناي...تشجعت في الأخير وتقدمت ناحية المدخل والذي كان مفتوحا على مصراعيه، بخطى خائرة القوى وفقت على عتبة الباب...لأرى أهول منظرا في حياتي..أبشع ما رأت عيناي، يا ليتني مت ولم أرى ما رأيت، يا ليتني مت..كان إخوتي الثلاث صالح، إبراهيم والعربي...جثثا ملقاة في ساحة البيت ذبحت من الوريد الى الوريد...والدماء متناثرة في كل مكان...إخوتي الصغار..إخوتي الأبرياء..ماتوا إخوتي وماتت معهم أحلاهم الجميلة، إخوتي الذين لم يرو شيئا من الحياة بعد، قتلوا بكل بشاعة ومن دون إنسانية إخوتي الصغار قتلوا بكل برودة وبكل وحشية...وبالرغم من مصابي الجلل رحت أفتش علني أجد احدهم حيا...ناديت أمي..ما أجابني من احد..ناديت أبي..ما أجابني من احد..ناديت ليلى..نادية..لا احد..فقط السكون المطلق..تابعت خطواتي داخل المنزل نظرت الى غرفة أبي..فرايته جثة من دون رأس ملقى على الأرض وأمي الى جانبه مقتولة بالرصاص...لم استطع ان أطيل النظر..أمي وأبي حبيباي..ماذا فعلوا بكما؟...أمي وأبي يا أغلى ما املك...ليتني كنت الى جانبكما...فاستدرت ونظرت الى الغرفة الاخرى...وهنا رأيت أختي حنان زوجة ابن عمي الحامل، لم يرأفوا بها..ولا بجنينها الذي أخرجوه من أحشائها ومزقوه إربا إربا...صرخت بكل قوتي..خرجت مسرعا من البيت..صرخت بكل سخط..الى ان خارت قواي وسقطت مغشيا علي.
وبعد لحظات أحسست بأحدهم يرش الماء على وجهي البائس، وافقت من غشيتي لكنني لم أفق من الغيبوبة..أسندت ظهري الى جدار البيت بعدما غدوت من دون سند، بعدما غدوت وحيدا ولا املك لا مواسيا ولا معينا على تقلبات الدهر، لقد حل بي من الشقاء ما لا يستطيع تحمله بشر، قبل ذلك اليوم لم أذق مرارة العيش ولم أرى صورة البؤس، وكل ما كنت أخفيه للمستقبل ذهب بذهاب أمس الدابر وأصبح صحيفة بالية في كتاب الدهر الغابر...كنت جالسا مطرقا راسي لا اعلم ما يدور من حولي، وكان جنونا أصابني فاخذ مني العقل وترك هذا الجسد هائما هيمان الروح الحائرة في ظلمات القبور...خانتني العبرات فابت الانهمار، وخانتني الزفرات فبقيت تشعل النار في صدري لتزيد من ألام قلبي الباكي المنتحب...بقيت على حالي لساعات وساعات، وانا لا اعلم اين انا ولا افهم ما حل بي...
المهم، خلال ذلك الوقت الذي قضيته انا كالحي الميت جاء من جاء ورحل من رحل، وجمع رجال الدرك ورجال الحماية المدنية وبعض المتطوعين من أبناء القرية أشلاء أسرتي وأشلاء الأسر الاخرى، وقد بلغت الحصيلة ثلاثة وأربعون قتيلا، وخمسة عشرة فتاة مخطوفة، ما زاد مصيبتي وهمي وشقائي ان أختاي نادية وليلى كانتا من بين السبايا...
أراد مصطفى ان يأخذني معه الى بيته فأبيت وكذلك عمي وأولاده، صممت على البقاء في بيتي الذي أصبح خاليا على عروشه، وحتى الوحوش تأبى ان تسكن فيه...توالت الأيام، كان في بادئ الأمر يبقى معي بعض الأهل والأحباب ولكن في الأخير انصرف كل لشانه، وبقيت وحيدا هائما على راسي بعدما عبث الدهر بي وأذاقني من صنوف الشقاء وألوان العذاب...فامشي الى اين تحملني ساقاي، وأنام اين يحل بي الظلام، أصبحت متشردا لا مأوي لي ولا زاد سوى ما يقدمه لي من يرأف لحالي، فساء وضعي وأصبحت لا أشبه لنفسي فقدت الوزن بشكل سريع جدا فأصبحت أضلعي تبدو كأنها عارية لا يكسوها لحم ولا جلد، ونمى شعر راسي وذقني فتغيرت ملامحي ولم يبقى شيء يذكرني بنفسي سوى لمعان عيوني بعدما انطفأ اللهيب الذي كان يتأجج داخلهما...
ظللت على تلك الحال حوالي الشهر..عندها ظن الناس جميعا أنني جننت من وقع الصدمة وهول الفاجعة..لكنني وفي صممي لم افعل، بل كنت اخطط لشيء اخر...نعم شيء اخر عله يريحني ويبعث في قلبي الطمأنينة...نعم لقد فكرت في الانتقام والصعود للجبل للبحث على أختاي، لا يمكنني ان اتركهما هناك في أيدي الوحوش الكاسرة...أردت ان اخبر مصطفى الذي كنت اسميه صديقي عن صعودي للجبل لكنني ترددت لأنني كنت اعلم ان ذلك الوغد سيمنعني، ذلك الوغد الذي اعتبرته أكثر من أخ تركني في وقت شدتي وبخل حتى بالسؤال عن حالي ومنذ يوم الدفن لم أرى حتى خياله، نادية بالنسبة له مجرد امرأة والنساء غيرها كثيرات، ولكن بالنسبة لي هي أختي، شرفي، عزتي وكرامتي واخر أمل لي في هذه الدنيا والذي قد افعل أي شيء لاستردها هي وليلى، سأبحث عنهما كما يبحث الضرير عن ضوء عيونه، والعليل عن الدواء، والأم عن فلذة كبدها...

يتبع...

ياسمين بن باي
ياسمين بن باي
عضوة نشيطة
عضوة نشيطة

عدد الرسائل : 232
النقاط : 257
السمعة : 1
تاريخ التسجيل : 08/11/2012
العمر : 36
المكان : هي وقلبها...

https://www.wattpad.com/user/miraben

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف bana banouta الجمعة ديسمبر 14 2012, 04:08

تسلمي ياسمين واصلي
bana banouta
bana banouta
عضوة مميزة
عضوة مميزة

عدد الرسائل : 1894
النقاط : 2114
السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 01/11/2012
المكان : algérie

https://www.facebook.com/banouche.sherry

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف زائر الإثنين ديسمبر 17 2012, 03:23

ارهابي، رواية  Z



ياسمين......تصفين بإتقان تلك الأيام المريرة وتلك الأحاسيس الموجعه والمرعبة ...أرجعتني سنين للخلف وأنا أسمع تلك القصص الخيالية حقا خيالية من شدة جبروتها ولا معقول في لاإنسانية البشر فيها حين تحولو وحوشاآدمية
واصلي ياسمين بثقة.


ارهابي، رواية  Images?q=tbn:ANd9GcTXs2ZR6eugEOsISPuvBzrPk53sEVIrYMw2SkdluoTjDpuJ4ukE5A

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف زائر الإثنين ديسمبر 17 2012, 03:25

ارهابي، رواية  Z



ياسمين......تصفين بإتقان تلك الأيام المريرة وتلك الأحاسيس الموجعه والمرعبة ...أرجعتني سنين للخلف وأنا أسمع تلك القصص الخيالية حقا خيالية من شدة جبروتها ولا معقول في لاإنسانية البشر فيها حين تحولو وحوشاآدمية
واصلي ياسمين بثقة.


ارهابي، رواية  Images?q=tbn:ANd9GcTXs2ZR6eugEOsISPuvBzrPk53sEVIrYMw2SkdluoTjDpuJ4ukE5A

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف V Butterfly الإثنين ديسمبر 17 2012, 06:36

أشعر و كأن قلبي كتلة من نار تلظى , و كأن الرواية تُروى عنا , رغم فرق الزمان و المكان , و اختلاف الجاني,,, إلا أن القتل واحد,,,
.
.
تابعي صديقتي , أنتظر البقية
V Butterfly
V Butterfly
المديرة
المديرة

عدد الرسائل : 5475
النقاط : 5545
السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 02/10/2012
المكان : Everywhere

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف زائر الثلاثاء ديسمبر 18 2012, 04:20

أنتطر التكملة بشوق...

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف ياسمين بن باي الثلاثاء ديسمبر 18 2012, 04:27

صديقتي كنزة، ان ما عشناه في تلك الايام لا يمكن ان يوصف بالكلمات، لازلت اذكر الخوف الذي سكن بالعيون والحيرة التي سكنت بالصدور، لازلت اذكر جيدا بشاعة المجازر، والموت الذي كان يتربص بنا في كل زاوية...لازلت اتذكر طفولتنا البائسة التي راحت ضحية لغدر الارهاب ونار الفتنة...
ياسمين بن باي
ياسمين بن باي
عضوة نشيطة
عضوة نشيطة

عدد الرسائل : 232
النقاط : 257
السمعة : 1
تاريخ التسجيل : 08/11/2012
العمر : 36
المكان : هي وقلبها...

https://www.wattpad.com/user/miraben

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف ياسمين بن باي الثلاثاء ديسمبر 18 2012, 04:39

V Butterfly كتب:أشعر و كأن قلبي كتلة من نار تلظى , و كأن الرواية تُروى عنا , رغم فرق الزمان و المكان , و اختلاف الجاني,,, إلا أن القتل واحد,,,
.
.
تابعي صديقتي , أنتظر البقية

صحيح ان ما يحدث عندكم يشبه الى حد ما ما حدث عندنا، لكن الفرق الوحيد ان في وقتنا كان تعتيم اعلامي كبير، وغياب للانترنت والفايسبوك، كما ان كل العالم تخلوا عنا ونبذونا وصار الجميع ينعتونا بالارهابين، حتى في الحج والذي هو ركن مقدس من اركان الاسلام، الا ان الجميع كان ييتفادى الاقتراب من الجزائريين، حسبنا الله ونعم الوكيل.
ياسمين بن باي
ياسمين بن باي
عضوة نشيطة
عضوة نشيطة

عدد الرسائل : 232
النقاط : 257
السمعة : 1
تاريخ التسجيل : 08/11/2012
العمر : 36
المكان : هي وقلبها...

https://www.wattpad.com/user/miraben

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف ياسمين بن باي الثلاثاء ديسمبر 18 2012, 04:39

kanza كتب:أنتطر التكملة بشوق...

سانزلها ليلا.
ياسمين بن باي
ياسمين بن باي
عضوة نشيطة
عضوة نشيطة

عدد الرسائل : 232
النقاط : 257
السمعة : 1
تاريخ التسجيل : 08/11/2012
العمر : 36
المكان : هي وقلبها...

https://www.wattpad.com/user/miraben

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف كندة الثلاثاء ديسمبر 18 2012, 08:55

كلماتك معبرة واحساسك صادق . كأننا نعيش الاحداث

اكملي تألقك

في انتظار التكملة .....
كندة
كندة
المديرة
المديرة

عدد الرسائل : 711
النقاط : 717
السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 28/11/2012
العمر : 38
المكان : Libya

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف ياسمين بن باي الأربعاء ديسمبر 19 2012, 23:21

الصعود الى الجبل

هل تذكرون تلك الليلة التي امسكني بها الإرهابيون وأطلقوا سراحي؟ هل تتذكرون ان قائد تلك الجماعة طلب مني الالتحاق به؟ نعم اعلم أنكم تتذكرون فلا احد به عقل سينسى تلك الليلة المرعبة..طلب مني ان اسأل عن أبا قتادة وهذا ما سأفعله، الإستراتيجية التي كنت اتبعها هي ان أوهمهم أنني أريد الانخراط في صفوفهم، حتى أصل الى أختاي...كنت اعلم ان الأمر ليس بالهين خاصة انه سيكون علي إقناعهم بأنني الى جانبهم، سيكون أمرا صعبا خاصة وان أسرتي كلها أبيدت على أيديهم..سيعلمون أنني ذاهب للانتقام، أو متواطئ مع قوات الدولة الفاشلة والتي لا تستطيع السيطرة على الوضع، والى غاية الان ليست لدي خطة ولا اعلم ما سأفعل...
حددت يوما لصعودي وجمعت ماستطعت من الزاد، كنت خائفا ان يطول مسيري حتى أجد معاقل الإرهابيين...1 جويلية 1998 صعدت الجبل وعبرت الحدود التي يخشى الجميع تجاوزها، مشيت لساعات، لأيام...ما عدت اعلم اين انا أو في أي زمن انا...توغلت عميقا داخل الجبال، امشي في النهار وابحث قبل حلول الظلام عن مأوى أبيت فيه، وما زادني حيرة ودهشة كبر تلك الأرض التي ليس لها نهاية غابات خضراء على مد البصر، و اندهشت لتنظيم الإرهابيين كيف يستطعون تغطية كل هذه المناطق، وكل البلاد شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، أمر لا يصدق ما زادني قناعة أنهم لا ينشطون لوحدهم وإنما هناك من يمولهم ويمول أعمالهم الوحشية، جهة لها من المال والنفوذ والسلطة، جهة لها مصلحة عظمى في ما يحدث في الناس من تقتيل وتنكيل وأعمال بربرية، فسهل ان تقود شعب يعميه الخوف، وسهل ان تسيطر على شعب يملؤه الرعب، وسهل ان ترأس شعبا يجهل ما يحدث من حوله...
المهم أنني بقيت على تلك الحال الى ان نفذ مني الزاد، فأصبحت اقتات من النباتات البرية التي تنبت بالغابة، وفي بعض الأحيان أوفق في اصطياد الأرانب، وهكذا عدت الى البدائية الاولى وأصبحت أعيش حياة تشبه عيشة العصر الحجري، وحتى عندما بلغ اليأس مني مبلغه، لم استطع التراجع لأنني لا اعرف مكاني ولا اعرف طريقا للرجوع، فبقيت تائها، هائما في بلاد الله على وجهي، ضائعا لا اعلم من الأرض مكاني...كانت الحرارة لا تطاق خاصة وقت الظهيرة، ونفذ مني الماء وتدهور حالي لشدة العطش الى ان أصبحت لا أقوى على النهوض، ولا على السير، ودخلت فيما يشبه الغيبوبة، حالة من الإغماء..فلا استيقظ إلا من الفينة الى الاخرى فانظر الى ما حولي في دهشة وحيرة وانا غير قادر على التمييز، تمنيت الموت بشدة...ولكن للأسف حتى الموت أبى ان يأخذني معه...
ولكنني كالعادة نجوت، لا اعلم ان كان هذا حظا جيدا أم حظا عاثرا لأنني كنت ارغب في الموت بشدة...استيقظت من غيبوبتي لأجد نفسي في مكان يشبه العمران، ملقى فوق بساط على الأرض، لم استطع في بادئ الأمر من تمييز ما يحيط بي بسبب الدوار ولم استطع الوقوف كذلك ولكنني لاحظت ان شدة الظمأ خفت مقارنة بما كانت عليه لذا استنتجت ان احدهم أغاثني...فحاولت بجهد جهيد ان اطلب المساعدة صارخا بصوت ضعيف لا يكاد يسمع:
- هل من احد هنا...أجيبوني...ساعدوني...
وعندما يئست وظننت انه لا يوجد احد سمعت خطوات تقترب من الباب الذي فتح وانا انتظر في لهفة لأرى القادم...فوجدته رجل طويل القامة يرتدي البزة العسكرية وعمامة فوق رأسه، لحية طويلة وعينان مكحلتان ويحمل على كتفه رشاش...يا الله لقد وصلت الى مرادي انا في عرين الأسد...وبدل ان أجدهم وجدوني...والأكثر من هذا بل انقدوا حياتي من الموت المحتم حتى انتقم منهم شر انتقام...ضحك لي وجلس أمامي قائلا:
- كيف حالك يا بني؟...
- أريد ماء...
غادر لبرهة ثم عاد وفي يده قلة فسقاني منها...وبعدما ارتويت سألني مرة اخرى عن حالي، وعن سبب الصعود الى الجبل فقلت:
- بخير والحمد لله...أريد الانضمام الى صفوفكم...
- لماذا؟
- لأنني كرهت عيشة الكلاب، ليس لي عمل ولا سكن ولا حتى الأمل في مستقبل جيد...كما ان احدهم اسمه أبو قتادة طلب مني ان انضم إليه...ورحت اسب واشتكي الحكومة وظلمها وتهميشها حتى أبدو مقنعا بعض الشيء..
- الأمير أبو قتادة؟ أنت قابلته شخصيا؟
- نعم وما المدهش في الأمر؟
- أنت محظوظ يا أخي فمقابلة الأمير أبو قتادة شرف كبير...انه رجل مهم ومجاهد عظيم...ما اسمك؟
- اسمي محمد بن عاشور...
- انا أبو مصعب، قائد هذه الكتيبة...
- انا أريد مقابلة الأمير...
- انه غائب...عليك ان تنتظر شهرين لعودته...
سكت وأطرقت راسي، لا يمكنني الانتظار شهرا كاملا، لا يمكنني ان اترك ليلى ونادية أكثر بعد وهنا عامل الوقت يلعب ضدي، فقطع علي حبل أفكاري قائلا:
- فيم تفكر؟
- لا شيء...الأمير طلب مني ان أجاهد تحت إمرته، وانا لا استطيع ان اصبر لبداية التدريب والقتال....
ضحك حتى بانت ضروسه ثم قال لي:
- لا تقلق انا مسؤول التجنيد، وسأجعل منك مجاهدا يخاف الجميع من ذكر اسمه...علينا ان نختار لك اسم...آم..آم..ما رأيك بأبو صهيب؟
- اسم جيد أعجبني...
- المهم سأتركك لترتاح وغدا سنكمل حديثنا...الى اللقاء..
وخرج بينما بقيت أراقبه بعينين حائرتين لا تعرفان ما يخبئه القدر لها...
وبعد يومين استجمعت قواي وعادت لي الصحة والعافية، وأصبحت أحسن من ذي قبل، وطلبت من قائد الكتيبة أبا مصعب ان ابدا التدريب، فوافق قائلا "انه يوجد أمامي الكثير من العقبات، فليس بالتدريب وحمل السلاح تصبح مجاهدا، بل بالتنفيذ واجتياز العقبات التي تواجههم يوميا"، كما انه اخبرني صراحة أنهم لا يثقون بي حتى اثبت لهم مدى ولائي...وقال لي في الأخير "ان الطريق أمامك أيها الفتى مازال طويلا وشاقا"...وأمر بان يبدأ تدريبي مع المجاهدين -كما يسمون أنفسهم- المبتدئين...توالت الأيام واجتهدت في التدريب، وأصبحت قادرا على استعمال السلاح وجاهزا حسب أبو معاذ -قائد التدريب- لخوض المعارك وكان التدريب يتمثل في الحفاظ على اللياقة البدنية وتعليم فنون القتال واستعمال السلاح، كما إنني التقيت مجددا بالأمير أبو قتادة ومرافقيه وفرحوا بي كثيرا لانضمامي إليهم...المهم إنني كل هذه الفترة كنت ادرس حركاتهم، حياتهم اليومية، طبيعة المنطقة والاهم من ذلك كنت انتظر متى يقومون بهجوم على المواطنين، لأنني كنت أحاول جاهدا ان ابدي للأمير والآخرين مدى حماسي للبدا بالعمليات القتالية، ولكن في قرارتي كنت خائفا ان يأمرني بقتل احدهم عندها لن استطيع تنفيذ الأمر فيكتشفون حقيقتي...كنا نسكن في وسط الغابة في مكان استراتيجي عند سفوح سلسة الأطلس التلي، وكانت منطقة صعبة التضاريس، ولكن ما لم افهمه هو وجود مساكن، في منطقة نائية وبعيدة كل البعد عن الحضارة، وكانت تلك المساكن مبنية بالطوب، صغيرة ولكنها مريحة من الداخل، كان للأمير مسكن يأوي زوجاته وأولاده، ومسكنين لكل من القائد أبو مصعب وابو معاذ ومعهم كذلك زوجاتهم وأولادهم، وحظيرة كبيرة ينام فيها الإرهابيين من رتبة جنود، ومخزن للسلاح والمؤونة...وحظيرة تأوي اليها الفتيات والصبيان المخطوفين، كان عددهم حوالي السبعة فتيات أعمارهم على ما اعتقد لا تتجاوز الستة عشرة سنة وثلاثة صبيان، خمس سنوات، سبع سنوات، وعشر سنوات، وكنت أتمنى ان تكون نادية أو ليلى معهم ولكن للأسف قدر لي ان تطول مهمتي أكثر من اللازم، كانت تلك الحظيرة يحرسها إرهابيان، ويمنع منعا باتا ان يمر أي شخص اخر من أمامها لان تلك الفتيات كن ملكا للأمير ورفاقه، فكل مساء يقوم الأمير بإقامة حفلة أكل وشراب وطرب ومجون، وبالطبع تجبر الفتيات على الغناء والرقص، وفي الأخير يختار فتاة أو أكثر للاختلاء بهن ويقتسم الآخرون البقية...من الحين الى الآخر كان الأمير يستدعيني الى جلساته، فيجلسني الى جانبه ويحسن معاملتي، يقدم إلي أفضل الأطعمة و أفضل قطعة لحم ويصب لي الشراب بنفسه، في اول مرة رفضت ان اشرب ولكنه أصر علي، وأعطاني حبة دواء قائلا: "اشربها ستجعلك شخصا أقوى"...وشربتها وأحسست أنني في عالم اخر، واندمجت معهم في لهوهم ومجونهم وفي الأخير طلب مني ان اختار الفتاة التي اشتهيها واختلي بها في مضجعه، ارتبكت ولم اعرف ما افعل..فاختار لي هو وأمرنا بالدخول...لم اعرف ان تلك الحبة التي أعطاني هي في واقع الأمر مخدرات، فدخلت في حالة من النشوى والسرور ونسيت كل تعاستي والحزن الذي كان يقبع في أعماقي، واشتهيت تلك الفتاة من كل قلبي...كانت جميلة جدا وصغيرة، بشرتها بيضاء وناعمة كالحرير، شعرها اسود كالتوت منساب على كتفيها، جلست بقربها ونظرت الى وجهها، نظرت داخل عينيها، بالرغم من كل شيء كانت بريئة، بريئة جدا ومهما فعلوا بها أولئك الوحوش لم يستطيعوا قتل البراءة في عينيها، والسذاجة في محياها،...جلست بقربها ورحت أتأملها، حاولت جاهدا ان اقبل وجنتها الوردية، ان أتذوق تلك الشفاه الطرية، ان أشم رائحتها الشهية..لكنني لم استطع ، وبالرغم من ان الوحش البربري أبا قتادة حاول ان يسلبني نخوتي ومروءتي بشرابه ومخدراته ولكنه لم يستطع هو الأخر ان يقتل الشهامة في أعماقي...وفي الأخير سألتها:
- ما اسمك؟
- حياة...قالتها بصوت خافت، ونبرة مرتعشة...
فقلت لها، وكان الحديث في مجمله لنفسي:
- خانتك الحياة، يا حياة...
بقيت تحملق بي كالحمل الوديع الذي وقه في شرك الذئب، لابد وأنها لم تفهم كلماتي المعربدة، فخاطبتها من جديد:
- منذ متى وأنت هنا؟
- منذ خمس سنوات..
- كم عمرك الان؟
- ...لا اعلم...!!!
- كم كان عمرك عندما أخذوك من بيت اهلك؟
- ...لا اعلم...!!!
فسكت وبقيت انظر اليها، أردت بشدة ان المس يداها المرتعشتان، ولكنني كلما تجرأت رأيت في وجهها وجه نادية مرة، أو وجه ليلى مرة اخرى فأتراجع، وبينما انا أخوض معركة بين شهامتي ونذالتي، فاجأتني بسؤال كادت تنزل له دموعي:
- هل ستؤذيني؟ !!....
- لا...لا تخافي..لن أؤذيك ابدا...هل يفعل الآخرون؟
- غالبا..يضربونني عندما لا أتجاوب معهم، أو لا أنفذ لهم شيئا..
أحسست عندما أكدت لها أنني لن أقوم بأذيتها أنها ارتاحت لي، وزال عنها ذلك الخجل والتوتر، بقينا على حالنا لمدة النصف ساعة عندها هممت بالخروج، وطلبت منها ان تخبرهم أنني أنجزت المطلوب ان سألها احدهم عن ما حدث بيننا خاصة ان كان السائل أبا قتادة نفسه...
واستمرت دعوات أبا قتادة لي من حين الى اخر، واستمر في إعطائي حبة المخدر التي أصبحت لا استغني عنها، وانتظرها بفارغ الصبر، وكان كلما طلب مني ان اختار فتاة اقول نفسها، واستمرت مقابلاتي لحياة، التي احتلت مكانا في قلبي وأثرت داخل وجداني..كنا نجلس ونتبادل أطراف الحديث، وكنت استمتع كثيرا لحديثها وسذاجتها وبلاهتها، فأصبحت لا اصبر على ملاقاتها، لأنظر الى وجهها الجميل وعيناها البريئتين..أحببتها من كل قلبي ولأول مرة في حياتي اعرف ما معنى ان يحب رجلا امرأة، كيف تتربع على عرش قلبه وتسيطر على عقله وخياله، وأصبحت لا أطيق ان يمسها الآخرون، أو حتى ينظرون اليها في جلسات مجونهم..فذهبت الى الأمير وأخبرته أنني أريد حياة ان تكون امرأتي لوحدي وارفض ان يشاركني فيها الآخرون..ضحك الأمير وقال لي: "أتعرف لم احبك؟ لأنني اعلم جيدا انك وفي، وهذا ما يجعلك مميزا عن الآخرين..اعلم انك لن تخذلني ابدا..." وقبل انصرافي قال لي: "لك ما طلبت"...لقد أصبحت حياة نقطة ضعف بالنسبة لي، وكان من الغباء ان اخبر الأمير عنها لأنه في نهاية المطاف سيستغلها ضدي...


يتبع....

ياسمين بن باي
ياسمين بن باي
عضوة نشيطة
عضوة نشيطة

عدد الرسائل : 232
النقاط : 257
السمعة : 1
تاريخ التسجيل : 08/11/2012
العمر : 36
المكان : هي وقلبها...

https://www.wattpad.com/user/miraben

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف V Butterfly الخميس ديسمبر 20 2012, 12:08

إيـــــــه يا زمن
تابعي صديقتي تابعي,,
V Butterfly
V Butterfly
المديرة
المديرة

عدد الرسائل : 5475
النقاط : 5545
السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 02/10/2012
المكان : Everywhere

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف كندة الخميس ديسمبر 20 2012, 14:52

في انتظار التكملة
كندة
كندة
المديرة
المديرة

عدد الرسائل : 711
النقاط : 717
السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 28/11/2012
العمر : 38
المكان : Libya

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف زائر السبت ديسمبر 22 2012, 06:00

أتابع الأحداث بإهتمام بالغ.......

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف زائر السبت ديسمبر 22 2012, 06:03

أنتظر التكملة....ارهابي، رواية  9k=

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف V Butterfly الإثنين ديسمبر 24 2012, 15:32

الجزء الرابع - ياسمين بن باي

بعد ستة أشهر

مر على التحاقي
بالإرهابيين ستة أشهر الان، لم يحدث فيها شيء جلل وكل ما أردت معرفته عن
أختاي، لم يكن بالشيء الكثير، ولكنني عرفت من احدهم انه يوجد على بعد الخمس
كيلومترات عن هنا معقل يضم عدد كبير من الفتيات المخطوفات، وعرفت كذلك ان
أبا قتادة يقصده من الحين الى الآخر، لذا كنت أتحين الفرصة لأطلب منه ان
يأخذني معه، وبالفعل أقدمت على هذه الخطوة عندما عرفت انه مغادر اليها بعد
يومين، وكما أخبرتكم سالفا انه كان يعاملني بمحبة بالغة لم افهم جدواها،
لكنه رفض طلبي قائلا:
- لا تكن عجولا يا أبا صهيب، قريبا جدا سيحين
دورك..بعد غد سيرافقني كل من أبو معاذ وأبو مصعب..أنت الوحيد الذي استأمنه
على القاعدة في غيابي...ستكون المسؤول الأول هنا، هل هذا مفهوم....
غاب
الأمير ورفاقه مدة الأسبوع وعادوا محملين بمختلف المؤن الغذائية والأسلحة
والذخائر وعدد السبايا حوالي العشرة أو اثنتي عشر لم اعد اذكر...بقيت أتصفح
وجوههن في لهفة علني أرى نادية أو ليلى ولكنهما لم تكونا ضمنهم...ونظرا
لأمانتي وقيامي بواجبي على أكمل وجه في صيانة القاعدة كافئني الأمير بحضور
سهراته يوميا دون الحاجة الى ان يستدعيني كما جعلني المسؤول الأول على
الحراسة واستغليت منصبي حتى أسال الفتيات الجدد عن المكان الذي أتين منه
وعن أية معلومة قد تكون مفيدة بالنسبة لي فاستغللت وقت تبديل المناوبات
وطلبت من حراس مضجع الفتيات ان ينصرفوا وأبقى مكانهم حتى يأتي أصحاب
المناوبة التالية، لم يكن عندي الكثير من الوقت، لا اجتذب الأنظار
والشبهات، مجرد عشرة دقائق يجب ان تكون كفيلة بان أحظى ولو بكلمة
واحدة..انتظرت قليلا حتى خلت الساحة ودخلت الى المضجع فوجدتهن اما جالسات
واما نائمات، يتحدثن أو يقمن ببعض الأعمال اليدوية وما ان رأينني حتى بقين
يحدق بي، فقلت لهم وأخرجت صورة من ملابسي الداخلية:
- هل تعرفن من بالصورة؟
ومرت الصورة بين أيديهن دون أي شيء يذكر الى ان وصلت الى يد فتاة بقيت تحدق بها وبدت لي أنها تعرفت على إحداهما فقلت لها:
- هل تعرفهما؟ بسرعة تكلمي...
- أكبرهما، كانت معي في معقل "الواد دي لجبل "...
وحتى
أتأكد من معلومتها قلت لها: "هل تعرفين ما اسمها" فأجابت بسرعة البرق:
"نادية"...كان هذا الأمر بالنسبة لي كأنني ولدت من جديد، بريق من الأمل لاح
لي بعدما عشت دهرا في قاع الظلام...ورحت أسالها بلهفة من جديد:
- ألا تزال هناك الان؟ انظري جيدا والفتاة الاخرى لابد ان تكون معها...
- لا لقد بقينا معا حوالي ثلاثة أشهر ثم أخذوها لمكان اخر، اما الطفلة فلم أرها مطلقا...
- الى اين أخذوها؟
- لا اعلم لا احد يخبرنا بأمور كهذه...
يا
الهي..بعدما وصلت الى الهدف ابتعدت من جديد، بعدما أبصرت النور وقعت مرة
اخرى في قاع الظلام...شكرت الفتاة التي ساعدتني وبينما انا أهم بالخروج
وجدت الحارس واقفا ورائي فذعرت لرؤيته ولكنني تمالكت نفسي، ولأنه لا يحق لي
بالتواجد هناك سألني:
- ماذا تفعل هنا؟
- ...آه...لقد أرسلني الأمير لأتفقد المضجع...
- حسنا..هل انتهيت؟
- نعم...نعم...
وخرجت
مسرعا بينما بقي الحارس ينظرا إلي بريبة وكأن كلامي لم يقنعه...في ذلك
اليوم توجهت الى سهرة الأمير كالعادة، وما ان دخلت حتى ضحك لي ودعاني لأجلس
قربه ثم راح يحدثني:
- هات البشرى يا أبا صهيب؟
- أي بشرى أيها الأمير؟
- لقد جاءت الأوامر..الأسبوع القادم سترافقنا في المهمة...
- آه فعلا...خبر رائع..
بينما
كنت اسب والعن في قلبي لأنني كنت اعلم جيدا انه سيجعلني اقتل وهذا ما لا
أقوى عليه، لست إرهابيا، انا لست وحشا بربريا مجرد من الرحمة والشفقة، يا
الهي ما سأفعل؟ ارحمني يا الله...اعلم جيدا أنني غدا لست بناج، فأما ان
اقتل احدهم وأتنكر لإنسانيتي او اعجز ويفضح أمري فينكلون بي شر
التنكيل...ساعدني يا الله...
حاولت ان أكمل السهرة دون ان يبدو الأسى
على حالي، حاولت ان أتصرف بشكل طبيعي الى ان أذن لي ان أخلو بحياة، التي
أصبحت بمثابة البلسم لروحي، فجلست بجانبها لأحدثها عن ما في قلبي...
- سأرحل مع الأمير الأسبوع القادم...
- في مهمة؟ نعم...ستصبح الان إرهابيا بشكل رسمي...
- لا..انا لست إرهابيا...أنت تعلمين لم انا هنا...
- نعم اعلم..ولكنه سيرغمك على القتل، والأمور الاخرى...
- لا انا لست بقاتل، لا يمكنني ان اقتل...يا الهي انا في ورطة...
- دعنا نهرب من هنا...انا وأنت، لنسلم أنفسنا للأمن الوطني، لنخبرهم بكل ما نعرف...
- لا...لا يمكنني الهرب، علي ان أجد أختاي..لا استطيع...
- أنت لا تعلم أمرا، لقد أخبرتني الفتاة التي تعرفت الى أختك بأمور فظيعة..
- بأختي؟..ماذا حدث لها؟...
- أنت تعلم ما يفعلون عادة...نفس الأمور تحدث لكل الفتيات...
أطرقت راسي هنيهة ورحت أجول بخاطري بعيدا، فجال صمت عميق بيننا، ولكنها قطعت على شرودي بصوتها الرقيق:
- محمد لا تقلق ستجدهما ان شاء الله...كما تعتني أنت بي وتعاملني بلطف...لابد وان يعتني احدهم بأختيك...
- كيف يعقل ان يكون لديك كل هذا الأمل بغد مشرق؟...ضحكت وانا أتأمل وجهها البريء...
- لم تضحك؟
- نسيت ان اسمي محمد...أحب ان تناديني به، افعلي دائما...
اقتربت منها وطبعت قبلة طاهرتا على جبينها، ثم خرجت…
حانت
ساعة المسير، فجمعنا المؤونة والذخائر، ومشينا في دروب الغابة الموحشة،
كنا في خمسة وعشرون رجل، ولحد الساعة لم يخبرنا الأمير عن وجهتنا ولا عن
خطتنا..كنا نسير نحو المجهول البديهي، واقصد بذلك أننا حتى وان كنا نجهل
مصيرنا لكننا نعلم جيدا ما سنقوم به، وبالرغم من ذلك خالجتني مشاعر
غريبة..كنت خائفا من ان أصبح إرهابيا بكل معنى الكلمة، كنت خائفا من ان
اجبر على قتل احدهم، وهكذا افعل لشخص اخر ما فعله الإرهابيون بي...
وبعد
مسير يومين وصلنا الى وجهتنا...وكانت مشتة في مكان معزول عن العالم، بها
تسعة بيوت، فجلسنا وسط الغابة على مقربة منها في انتظار الليل، وكان كلما
تقدم بنا الوقت اشتدت دقات قلبي، وأحسست بالدم يفور في عروقي، كانت يداي
ترتعشان من شدة التوتر، وبالرغم من محاولتي إخفاء الأمر ولكن الأمير تفطن
لي، عند مغيب الشمس طلب منا ان نجتمع في حلقة وراح يخطب فينا: " بسم الله
الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله خير الأنام وخير المرسلين اما
بعد؛ إخوتي في الجهاد، رفقائي، أبنائي، وأحبائي، انه ليوم عظيم ان يتم
اختيارنا من قبل الله ورسوله لخوض هذه المعركة النبيلة في سبيل رسالتنا
الشريفة والتي نحن نجاهد لأجلها، إعلاءا لكلمة الله وسنة نبيه وراية
الإسلام..."، فقلت له في قلبي: "..هراء..هراء..تبا لك أيها الفاسق، لا الله
ولا رسوله ولا الإسلام يحثون على قتل الأبرياء"...وجلت بخاطري بعيدا حتى
سمعته يقول: "...اليوم...يوم عظيم ومبارك، لأنه سيكون اول يوم يشاركنا أبو
صهيب القتال وأول خطوة له في طريق الجهاد وأول درجة في درجات الجنة، هذا
اليوم عرس بالنسبة إلينا، فلننتصر ونعود الى ديارنا سالمين
وغانمين"...وبعدها قام أبو معاذ بإعطائنا شراب شربناه وكان طعمه كريها جدا
ورائحته كالمسك، بعدها قام بحقننا إبرا في سواعدنا وكنت اجهل ماهيتها،
ولكنني أحسست مفعولها في ثواني، إذ تملكتني نشوة بالغة وإحساس بالخفة
وكأنني فوق السحاب...بعدها راح أبو مصعب يشرح لنا الخطة فقال: "...تسكن هنا
مجموعة يقودها رجل اسمه أبو مختار انشق عنا وراح يعمل من رأسه، وعصى أوامر
الأمير مباشرة، قام بتنفيذ عدد من العمليات ما بين الفترة ماي وجويلية
المنصرمين، في القل وضواحيها وراح على يديه ما يقارب مئة برئ، اليوم نحن
هنا للقبض عليه ومحاكمته..."
وبينما كان يتحدث رحت أفكر، أيمكن ان يكون
هو من اعتدى على أسرتي؟..أيمكن أي يكون غريمي على بضع خطوات مني..الله
اعلم..عندها أعطانا تعليمات الهجوم وتطويق المنطقة ومنع أي كان من الفرار،
كما قام بتقسيمات الى خمس مجموعات كل مجموعة بها خمس رجال بينما انا وقعت
في مجموعة الأمير...عند الساعة السابعة تماما أعطانا هذا الأخير ضوء
الانطلاق، كان الظلام دامس والبرد قارس خاصة وأننا كنا في ليالي الشتاء،
فتفرقنا وتقدمنا بحذر، ما عدت اسمع دقات قلبي ولا عدت أحس بذلك الخوف
يعتصرني، لابد وأنه مفعول ما شربناه وما تم حقننا به...وصلنا الى وجهتنا
بيت أبا المختار بينما حاصرت المجموعات الاخرى باقي البيوت...طرق الأمير
الباب عدة مرات لنسمع صوتا من الداخل يقول:
- من هناك؟...
- افتح الباب...أجابه الأمير..
- ...من أنت؟..وماذا تريد؟..
- تعلم من نحن...نحن هنا فقط لأخذ المؤونة والرحيل، فافتح الباب قبل ان نحطمه...لن نقوم بإيذائكم...
سمعنا
بعدها بعض الخطوات المرتابة وبعض الهمسات، ثم اقتربت الخطوات من الباب
وقام بفتحه لنرى كهلا ربما في عقده الخامس ملتحي لحية قصيرة الشعر وأصلع
الرأس، قام احد الرجال بدفعه ليسقط على ظهره في فناء البيت بينما دخل
الاثنان الآخران الى الداخل، فقام الذي ضرب الرجل بتقييده وأجلسه راكعا على
ركبتيه، بينما كنت أقف الى جانب الأمير الذي أمرني بعدم الابتعاد عنه، كان
الرجل يرتعش لشدة خوفه..بعد برهة خرج الاثنان الآخران يقودان أمامهما زوجة
الرجل، وخمسة من أبنائه الذكور وثلاث فتيات، كانت تتراوح أعمارهم ما بين
العشرين سنة والعشرة سنوات، فقاموا بصفهم أمام الجدار ووجوههم الى الحائط
بينما تعالت أصوات بكاء بعض منهم..أراعني ذلك المنظر وأحسست ان قلبي يكاد
يخرج من صدري، وامتلأت عيناي بالدموع، تذكرت عائلتي، لابد وان ما حدث لهم
يشبه لما يحدث الان ان لم يكن نفسه...استدار الأمير لي وقال:
- لتنل الشرف...اختر من تريد واذبحه...
- ..................................................................................
بقيت صامتا لم انبس بنبس شفة، مسمرا في مكاني كالمسمار...
- هيا يا أبا صهيب...إنها ليلتك..
خرجت مسرعا بعدما تسارعت أنفاسي، فأحسست بالاختناق، فخرج الأمير ورائي...
- ما بك؟ ما الذي يحدث لك؟
- ...لا استطيع...لا يمكنني قتل الأبرياء...هذا أمر سيء...
- أمر سيء...ها..أوليس الذي حدث لعائلتك أمر سيء؟...ها..اخبرني..
- كيف تعلم بأمر عائلتي؟...كيف تع...
-
انا اعلم كل شيء...فلا تخفي عني أمرا اخر بعد الان...كما ان هذا الرجل
الذي أمامك هو الذي قتل أسرتك كاملة، قتل إخوتك الثلاث، وقتل والدك وأمك،
وقطع أختك وجنينها الى أشلاء...لا تكن جبانا..وانتقم لأسرتك..
- ماذا
تقول؟..ماذا...؟...هذا هو من قتل أسرتي...لا..لا..مستحيل..لا يعقل...بينما
رحت أدور كالمجنون حول نفسي..فامسكني الأمير وحاول ان يكلمني، لكنني بقيت
في تلك الحالة من الهستيريا..فصفعني بكف على وجهي قائلا:
- ان كنت لا
تستطيع ان تقتل فهذا أمر طبيعي، ولكن ان كنت لا تستطيع ان تثار من الرجل
الذي قتل إخوتك بكل برودة، واغتصب أمك أمام أنظار والدك العاجز، واختطف
أختيك وقام بإنهاك شرفهما مرارا وتكرارا، فأنت لا تستحق حتى العيش ولا
تستحق حتى ان تكون إنسان، أنت كتلة من العار والخزي، أنت....
- اسكت...اسكت..اسكت...صرخت باكيا...
ونهضت
من مكاني فدخلت الى البيت وأنهلت ضربا على وجه الرجل بحذائي العسكري،
وتارة باللكمات، حتى غرق في دمائه وفقد وعيه ووقع، فامسكني الأمير عندها
قائلا:
- مهلك....نريده صاحيا...
- اتركني...سحبت ذراعي من بين
يديه...بينما رحت امشي ذهابا وإيابا انظر نظرة الاشمئزاز لزوجته وأبنائه
الذين اشتد عويلهم لرؤية أبيهم في تلك الحالة، فتقدمت منهم صارخا:
- اسكتوا عليكم اللعنة...اسكتوا يا أبناء الكلب...
وانتظرنا
لبرهة بينما استفاق، فاخذ الأمير اكبر أبنائه ومدده أرضا أمام أنظارهم،
وفي لحظة من الثانية قام بنحره كما تنحر الذبيحة، دون ان يرمش له جفن،
وبقيت انظر انا إليه دون ان أشفق عليه، بل تملكني شعور من الغبطة والسرور
عندما رأيت الرجل يصرخ مستنجدا رحمة الأمير في ابنه، ذق أيها النذل من
الشقاء، ما أذقتني من قبل...بعدها استدار الأمير والدماء على يديه، مخاطبا
إياي:
- الان دورك...ان كنت لا تستطيع الذبح..اقتلهم بالرصاص...
فأخذت
رشاشي ووضعته على وضعية الإطلاق، ووجهته ناحية الأبناء الذكور الأربعة
المتبقيين، في وسط العويل والصراخ والاستنجاد والتضرع والتوسل بعدم قتلهم،
هل شفقوا هم على إخوتي؟...هل رحموا أبي العجوز وأمي المريضة؟...لكنني لست
مثلهم انا لست بقاتل...لا..لا...
- هيا يا أبا صهيب..لا شيء سيبرد النار التي في صدرك سوى الانتقام...هيا..اغسل عارك..وامحي الخزي عن جبينك...
كانت
كلماته كمن يصب البنزين على النار، وسوس لي ودخل داخل راسي، ضغطت على
الزناد وراح الرصاص يخرب أجساد أولئك الفتية الصغار، في لحظة لم اعد اسمع
سوى صوت الرشاش في الفضاء، وبدا لي كل شيء يسير بالحركة البطيئة...لم استطع
ان ارفع إصبعي عن الزناد، استمتعت بذلك المشهد الرهيب، الى ان صاح بي
الأمير:
- هذا يكفي...
فخرجت وجلست أمام البيت واستندت الى حائطه كما
سندت حائط بيتنا يوم الفاجعة، وأطلقت العنان لدموعي، التي أبت من يومها
الانهمار وبقيت حبيسة داخل صدري...في تلك اللحظة خرج الأمير وجلس بقربي، شد
عل ذراعي وقال لي:
- جميعنا مررنا بهذه اللحظة...جميعنا كنا نعاني من
الم في داخلنا...لا احد يختار حياة كهذه، ملؤها المخاطر والعنف والموت،
ولكن لابد لنا من القيام بهذا العمل، انه أمر اكبر منا ولا يمكننا ابدا
فهمه...المرة الاولى دائما صعبة ولكنك ستعتاد...
- هل لي بطلب واحد؟
- بالطبع تفضل؟...
- لا...لا تقتلوه...
- ...لم؟...
- أريده ان يتعذب لفقدانهم كما تعذبت انا...الموت سيكون رحمة له...فلا تقتلوه..
- حسنا...كما تشاء هذه ليلتك...
بعد
تصفية كل الرجال، الشبان، والفتيان، تم اخذ الفتيات كسبايا، وكن تقريبا
العشرين فتاة، تم تقييد كل واحدة من يديها الى حبل طويل...استغرق الأمر كله
حوالي الساعتين، رجعنا الى النقطة التي بدأنا منها وعدنا أدراجنا داخل
الغابة مسرعين...كنت امشي الى الأمام وكان احدهم يدفعني، أحسست بفراغ رهيب
داخل وجداني، أحسست أنني لم اعد اعرف نفسي، من انا؟...محمد بن عاشور الفتى
الطيب الذي يبحث عن أختيه في معاقل الإرهابيين الذين أبادوا كل عائلته؟ أم
أبو صهيب الإرهابي الذي يقتل الأطفال دون رحمة او شفقة؟ لقد تورطت الان
وليس لي فرصة للتراجع، أصبحت إرهابيا، أصبحت وحشا يستمتع بإراقة الدماء،
الان أصبح موتي شيء ضروري، حتى لا ارتكب المزيد من الجرائم، كنت اعتقد إنني
غير قادر على القتل، وها انا اقتل اربعة أطفال في ليلة واحدة لا ذنب لهم
سوى أنهم أبناء ارهابي، لا ذنب لهم فيما فعله والدهم...
بعد فترة من
المسير لم استطع حتى ان احدد ان كانت طويلة او وجيزة، وصلنا الى قاعدة تشبه
القاعدة التي نقطن بها الى ان هذه اكبر بعض الشيء، فاستقبلنا رجل يبدو انه
ذو أهمية هناك، فراح يقبل الأمير أبو قتادة ويبارك له رجوعه سالما وغانما،
ثم استدار الأمير لي وقال:
- تعالى هنا يا أبا صهيب..دعني أعرفك على
الأمير أبو حذيفة، انه من أهم المجاهدين في هذه المنطقة وأكثرهم قوة
وبأسا..واستدار الى أبو حذيفة قائلا:
- هذا أبو صهيب انه من أشجع شبابنا، كما إنها هذه ليلته الاولى وشرفنا بقتله اربعة أشخاص...
استدار
إلي أبو حذيفة وراح يهنئني ويثني علي وعلى أبو قتادة، وانا اقول له في
نفسي: "فلتذهب الى الجحيم.." بعدها طلب منا الدخول الى غرفة كبيرة نصبت
فيها الموائد وأشهى أصناف الأطعمة والشراب، وكأنه عرس او وليمة كبيرة،
غريبون هؤلاء القوم يحتفلون بقتل الناس !!..اما انا فأجلسني الأمير الى
جواره، وراح يدللني كعادته، ورحت اشرب الخمر الكأس وراء الاخرى...أريد شيئا
ينسيني ما انا فيه ولو لدقيقة واحدة...فسكرت ولم استيقظ بعد ذلك إلا في
الفراش...
V Butterfly
V Butterfly
المديرة
المديرة

عدد الرسائل : 5475
النقاط : 5545
السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 02/10/2012
المكان : Everywhere

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف كندة الأربعاء ديسمبر 26 2012, 09:23

مبدعة

في انتظار التكملة ...........
كندة
كندة
المديرة
المديرة

عدد الرسائل : 711
النقاط : 717
السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 28/11/2012
العمر : 38
المكان : Libya

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف sherine الأربعاء ديسمبر 26 2012, 14:13

قصة رائعة و مؤثرة
sherine
sherine
عضوة مميزة
عضوة مميزة

عدد الرسائل : 2868
النقاط : 2905
السمعة : 6
تاريخ التسجيل : 28/09/2011
العمر : 48
المكان : maroc

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ارهابي، رواية  Empty رد: ارهابي، رواية

مُساهمة من طرف زائر الخميس ديسمبر 27 2012, 04:49

هكدا دائما تبدأ المعاناة من فكرة الإنتقام .. لندخل عالم آخر لم نكن يوما نريده فقط لحقد قد نما في قلوبنا وقررنا أن نغديه.... تكتبين ياسمين الحقائق كما هي كما لو أنها لا تصدق

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 3 1, 2, 3  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى